الحروف المقطعة والفيوض العشرة

من تحليل الحروف المقطعة في فواتح السور القرآنية لا يعتريني شك أنها رموز لمعاني، (كالحكمة (ميم) ، والقيامة (قاف) ، وبدء الخلق (ألف) ، وحوت النبي يونس (نون) والعذاب الشديد (لام) ..

وكُنت قد استنتجت أن هذه الرمزية مستمدة من الأصل التصويري للحروف الأبجدية (أي من الأصل الهيروغليفي وما تدل عليه الصور) مثلا حرف النون شكله موجة الماء (يدل على الحوت) ، وحرف اللام شكله التصويري أبو الهول الذي يبعث الأهوال والعذابات لمن يقترب من المقدسات، وقاف شكلها تلة وهي تلال المقابر عندي المصريين البعيدة عن الفيضان، وتذكرة بقيامة الموتى.

#القبّالة_وشجرة_الحياة
وقد يكون الإسلام استمد رمزية هذه الحروف من مذهب القبّالة اليهودي، وهو مذهب صوفي يعطي للتفسير الرمزي للنص المقدس أهمية كبيرة، ويقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف فيه له معنىً خفياً، وتعتقد القبّالة أن لله مظهرين: المتعالي المستتر، (العين صوف) اللامتناهي الذي لايمكن للإنسان معرفته، والمظهر الثاني هو الفيوض، فيض من الله يأخذ شكل يمكن للإنسان أن يستوعبه ويتفاعل معه.

والشكل الأكثر لفتاً للإنتباه في القبّالة هو شجرة الحياة فهذه الشجرة تتفرع فيها 10 سيفروات أو 10 انبعاثات أو فيوض. تبدأ من التاج في الأعلى وتنتهي في الملكوت في الأسفل (الأرض) ، ويحدها عامودان، عامود الرحمة الأيمن، ويمثل التوسع، وعامود الشدة الأيسر، ويمثل التقييد، ويتوسطها عامود يمثل التوازن والتوسط.
كما أن هناك مسالك بين هذه الإنبعاثات عليها حروف الأبجدية وتصل بين هذه الفيوض، وقد تكون تركيبة حروف مثل (أ ل م) تعبر عن طريقة يتبعها السالك للسمو الروحي كما ذكر الصادق نيهوم في أحد مقالاته.

ولكن البحث التاريخي يبين أن مفهوم شجرة الحياة في القبّالة اليهودية مستمد من شجرة الحياة المصرية القديمة، وهنا يمكن العودة لكتاب The Kemetic tree of life للمزيد عن هذا التأثير.
ونحن نعتقد أن الحكمة المصرية القديمة المتراكمة عبر آلاف السنين تسربت لمذاهب فكرية عديدة كالهرمسية والفيثاغورية والغنوصية المسيحية والقبّالة اليهودية، وتأثيرها الواضح في فكر عصر النهضة والولع بالمصريات، وقد يكون التأثير المصري في الجزيرة العربية تأثير مباشر (لم يمر عبر الفرق اليهودية والنصرانية في الجزيرة).

والتساؤل هنا لماذا الحروف القرآنية اقتصرت على 14 حرف ولم تشمل باقي الحروف، فهل أن العقيدة الإسلامية اقتصرت على 14 ركيزة فكرية (أو مسلك) وتم اهمال الباقي لسبب ما، هذا يحتاج بحث تاريخي موسع للآثر المصري في معتقدات الديانات الإبراهيمية. 

الموقع الأثري غوبيكلي تب والسياسة في العصر الحجري

هو ليس وصفا لحالة السياسة هذه الأيام هو عنوان واقعي بالفعل… فمايزال موقع غوبيكلي Gobekli ،الذي يقدر عمره بعشرة ألاف عام، بالقرب من مدينة اورفة على الحدود السورية التركية، يطرح الأسئلة على مستوى الإجتماع البشري.

ماالذي دفع البشر في ذلك الزمن السحيق للقيام برصف هذه الدوائر الحجرية الواسعة ونصب الأعمدة العالية، ثم ليعودوا ويطمروها بالركام وليبنوا دوائر اخرى جديدة، الغريب في الأمر أن الموقع لم يكن مستوطنة أو مكان للإستقرار …كما حال المعابد التي تتركز عادة في وسط المدن، كذلك لم يوجد أي آثار لإستئناس الحيوان أو الزراعة فالبشر كانوا مازالوا يعتمدون على صيد الحيوانات البرية والقطاف.

ولكن يبدو أن البشر، في اطار تحولهم من مجموعات متنقلة إلى حالة الإستقرار قد جربوا نظما اجتماعية اخرى لم نسمع عنها.
الزراعة جاءت بمستلزماتها من الاستقرارعلى ضفاف الأنهر إلى تأسيس أول المدن وتنصيب أوائل الملوك والعروش وتنظيم الجيوش والعسس وسن القوانين وغيرها من مستلزمات الحضارة، لكن في المقابل كانت تلك المجموعات منعتقة من مستلزمات المدنية في حالة من الحراك والتجريب الاجتماعي الذي لا بد لنا أن ننتبه له.

في تلك المرحلة من عمر البشرية لم يكن هناك من قيادة أو تخصص في العمل (لم يكن من ملوك وكهنة ومزارعين وكتبة) ولكن مع ذلك فإن بناء ذلك الصرح احتاج تنظيم وتخصص في العمل فكيف تم ذلك.
بعض المقاربات لهذه المفارقة تقول بأن الموقع كان يُبنى وقت موسم هجرة الحيوانات، موسم الصيد الغزير، في هذا الموسم كان من المهم أن يجتمع الناس بأكبر قدر ليغتنموا الصيد بكثرتهم ثم ليتفرقوا بعد ذلك ويعودوا إلى مجموعات صغيرة مكتفية بذاتها تكفي نفسها مما تحصل عليه من الصيد.

هذا مشابه لأن نقول أنه في بضعة شهور خلال موسم الصيف، يظهر القادة والكهنة والعمال كل في منصبه ثم لتنحل هذه المناصب وهذه الوظائف بإنتهاء الموسم، وليعودا كل كما كان أسوياء تفرقهم المهارات الشخصية فحسب. وحتى يأسسوا لهذا الاجتماع الكبير في موسم الصيد كانت هذه الصروح تلعب رمزا للاجتماع وللاحتفال بنقش الحيوانات البرية وتكريس هذه الظاهرة السنوية الجامعة.

الخلاصة: لسنا محكموين بنظم مؤبدة، هرمية القيادة، فلقد كان البشر ينصبون ملوكهم في الصيف ليزيحوهم في الشتاء .. يعني حسب الموسم  … وينك يا لعصر الحجري!!

حرف العين – بين العطاء المحدود (المقدر) واللامحدود

يبسط الله الرزق بمقدار هي حكمة قد تخفى على البعض فإسباغ النعم بلا حدود ومقادير قد ينقلب لضده ويزيد الفساد في الأرض، يقول تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، فهو بمشيئته سبحانه يُنزل الرزق بمقدار لحكمة ودراية وهو العارف بسرائرعباده. وهو أن تأتي الهٍبة بعد المنع والغيث بعد القنوط وذلك لحتى يزداد الشكر والحمد (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)

وعلينا هنا أن ندرك أن هناك جانبين لهذه الحكمة: .. الأول وهو الإيمان بعطاء الله اللامحدود خارج المقاديروالحدود … فحين سَأل، نبي الله، زكريا ربه كيف للعقم أن يتحول خصباُ وكيف لإمرأته العاقر أن تنجب كانت الإجابة ( هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) .. (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).

والجانب الثاني المقابل هو الإيمان بأن الِنعم لها مقادير وحدود، تأتي في دورات من القحط والخصب، من المنع والإرسال، وتجسد هذا المعنى في قصة النبي يوسف عليه السلام ومافعله من التخزين والاحتياط في سنين الوفرة لدرء السنين العجاف. والنبي يوسف ربما هنا يمتح من إرث مصري قديم دائب على قياس منسوب فيضان نهر النيل للتنبوء بخصوبة العام من عدمه.

وأعتقد هنا أن المصريين القدماء قد أدركوا هذه الحكمة ومن ثم سجلوها في كتابتهم ومعارفهم، فقد أدركوا أن للنعمة مظهران المظهر الأول وهو العطاء المتجاوز للحدود الخاضع لمشيئة الله الذي يهب من يشاء بلا حساب، والثاني هو حدوث النعمة بقدرمحدد تخضع فيه للسنن والقوانين والنوائب.
وقد عبر المصريون القدماء عن هذا المعنى رمزياً بالشكل التصويري للحرف عين وهو الذراع الممدودة. فالذراع هنا تحمل في دلالتها الرمزية جانبان، الأول أن الذراع هي وحدة للقياس، (عند المصريين الكوبت هو حوالي 52 سم)، وحمل بالتالي حرف العين في دلالتة القياس والتقدير ومايرافقه من العلم الدنيوي الإنساني من حساب المحاصيل والغلال وضبطها، ومعرفة منسوب النهر والتنبوء بالفيضان ووضع أسس المباني وقياسها أي الفهم العلمي والعملي للعالم.

حرف العين - يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
حرف العين – يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر

أما المعنى الثاني فهو أن الذراع هي رمز للعطاء، هي اليد المدودة والتي تهٍب بعيداً عن حدود القياس والعلم والتي تخضع لمشيئة الله وبركته فهو سبحانه يملك مقاليد الأمور (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (الشورى 12).

حرف العين وشكله التصويري الذراع، قد حوى كلا المعنين. هو من جهة يدل على القياس والتقدير وبالتالي القدرة على التنبوء والحساب (أي العلم الإنساني) … و من جهة أخرى هو اليد الممدوة، كناية على العناية الإلهية وعلم الله الشامل للأمور ونعمه التي لاتحدها قيود (أي العلم الإلهي)…ومن هنا بدأت سورة الشورى بحرف العين للتدليل على هذا المعنى في حصول النعم بين العلم الإنساني المحدد والعلم الإلهي الشامل

دلالات الحروف المقطعة في فواتح السور القرآنية

في فواتح بعض السور القرآنية تشير الحروف المقطعة إلى رموز لمعاني كبرى ترد في قلب السورة.هذه الحروف تستمد دلالتها من الأصل التصويري القديم للحرف والذي سبق شكله التجريدي الذي نكتبه اليوم، كانت الحروف بالأساس أشكال تمثل مظاهر طبيعية وبشرية، أي هي أسماء لأشياء، (وعلم آدام الأسماء كلها) وظلت الحروف بالتالي تحمل دلالات تلك الأسماء وصدى رموزه

 حرف الطاء و دلالته الرمزية

حرف الطاء مثلاً شكله نصف رغيف خبزTa image، فحملت الطاء دلالة الإطعام والرزق وهو مايظهر في كل السور التي في فواتحها حرف الطاء فهناك اشارة إلى الرزق الرباني مثلاً سورة طه — (كلوا من طيبات مارزقناكم)، سورة الشعراء – طس (والذي هو يطعمني ويسقين).

ذا النون – القرآن الكريم يقدم الدلالة

وقد أعطى القرآن المفتاح لهذا التفسير الدلالي للحروف، فمثلاُ النون في (ذا النون ) هي اشارة إلى صاحب الحوت النبي يونس، فالنون في
أول السورة هي رمز للقصة التي سترد في متن السورة عن صاحب الحوت الذي سماه القرآن ذا النون، حيث ظل حرف النون محتفظ  Noon Imageبدلالة أصله التصويري وهو موجات البحر والحوت.

: سرد كامل للحروف المقطعة ودلالتها لمعاني كبرى في متى السور القرآنية:

أ – بدء خلق الإنسان وإعادته بعد الموت – طائر العقاب رمز قديم للعودة من الرماد -طائر الفينيق أو الرخ عند العرب

ل– العذاب الشديد  – شكل أبو الهول الحارس المرعب للأهرامات ورمز العقاب والعذاب الشديد

م– الكتاب الحكيم – اشارة للقرآن الكريم – حرف الميم شكل طائر البومة رمز الحكمة القديم

ح– الوحي – الشعلة رمز للوحي ونور الهداية

را – خالق السموات والأرض – رع الخالق

ن– يونس ومعجزته في بطن الحوت – نون شكله موجه ماء رمز للماء و معجزة يونس المائية

ق– القيامة – التلة رمز للمقابر ونهوض الموتى ، حيث كانت المقابر توضع على التلال لكيلا يصيبها الفيضان

ص – الوحدانية – الله الواحد

ط – الرزق – نصف الرغيف رمز الخبز والرزق والنعمة الإلهية

ع – العليم – علم الله الشامل – الذراع رمز للقياس والعلم

س– سين سين – البعث – زهرة اللوتس رمز للبعث حين تتفتح من تحت الماء وكأنها تعود للحياة

 – كا– الدعاء والترضع – الأيادي الممدودة للترضع والدعاء مفهوم الكا

ه– هاء- المحراب ، غرفة الصلاة – الغرفة

ي – ياء- كتابة أعمال و قصص الأنبياء – ريشة الكتابة

Quran surah letters A - Q

Quran Surah letters Saad- Y

في القصص القرآني

ينظر الكثير للقصص القرآني على أنه للعبرة و التفكر .. وهذا صحيح ولا خلاف عليه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، ولكن هناك جانب آخر يغفل عنه من يأخذ القصص القرآني معزولاً، فلو كان الهدف فقط هو العبرة والعظة لكانت القصة وردت في سورة واحدة من أولها لآخرها .. ولكن نجد على العكس أن القصة ترد متفرقة في عدة سور، أحياناً تكون مفصلة و أحياناً مختصرة بالإشارة فقط.. هذا يدل على أن ورود القصة في سياق السورة له دلالة أخرى مختلفة..

ولو تمعنا لوجدنا أن هذه الدلالة تتعلق بشخص الرسول نفسه (صلوات الله وسلامه عليه) فهي تتعلق بما كان يمر به من أحداث فتأتي القصة لتشابهها مع وضع مماثل كانت تمر به الدعوة الإسلامية .. هذا الإلتقاء بين القصة و بين حاضر الدعوة كان يعطي الرسول تثبيتا وعزيمة فتكون القصة بمثابة تخفيف عن ما كان يكابده في نشر الدعوة كما في قوله تعالى : وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ…. سورة هود(120)

النبي صالح و المرحلة المكية في الدعوة

وكمثال لو أخذنا العلاقة بين قصة نبي الله صالح ومعجزة الناقة و بحثنا عن نقاط الالتقاء مع الدعوة الاسلامية في فترتها المكية الأولى لوجدنا المشتركات التالية:

1- جاءت نبوة صالح في سن الاربعين كذلك جاءت نبوة محمد (صلعم) في سن الاربعين، كان صالح قبل الوحي معروف بحسن الخلق (فهو الرجل الصالح) كذلك محمد بن عبد الله كان معروفا بالصادق الآمين. (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ) أي لقد كان لنا رجاء فيك كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك .

2- اتهمت ثمود صالح بأنه ساحر كذلك اتهمت قريش الرسول بأنه ساحر.( قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ )

3- دعى صالح قومه لتوحيد الله و نبذ عبادة الاصنام و ماكان عليه أباؤهم. (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) وآمن بصالح ثلة من المؤمنين كما هو حال الإسلام في أول الدعوة حيث آمن به ثلة صغيرة.

4- اجتمع الملاء (علية القوم) على صالح، كذلك اجتمع كبار رجالات قريش على الرسول عندما تهددت مصالحهم، وفي المرويات تآمرت على صالح امرآتان (عنيزة وصدوف) وآلبت من سيعقر الناقة، كذلك آذت امرأة ابي لهب الرسول و ألبت عليه ..( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ )

5- طالبت ثمود صالح بآية و كذلك طالبت قريش محمد بمعجزة. (مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)

و هناك العديد من نقاط الإلتقاء ولكن هناك فارق .. ففي حالة النبي صالح ارسل الله معجزة مادية هي ناقة خرجت من الصخر تدر حليبا مدرارا كانت تسقي كل ابناء القبيلة، وعلى الرغم من أن رغبة القوم تحققت، لكنهم لم يلتزموا بشروط سقيا الناقة و عقروها و نالو عقاب الله على عدم ايمانهم وتكبرهم.

ولكن في الاسلام نجد أنه وقف موقفا مختلفا من المعجزات المادية الحسية فهي صالحة فقط لزمانها و مكانها وهي محلية وليست عالمية ومن لايؤمن لن تنفعه كل البينات و المعجزات كما في قوله تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ) و هنا حدث الاختلاف.

النبي صالح و المرحلة المدنية في الدعوة

إن العلاقة والترابط مع قصة النبي صالح لا تقف فقط عند المرحلة المكية ففي أواخر العهد المدني وتحديدا في غزوة تبوك مر الرسول في طريقه لمجابهة الروم على بقايا قوم ثمود في منطقة الحجر شمال المدينة المنورة ووردت في الأحاديث و السير قصص عن هذا المرور أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: “لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين” ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. ومعنى تقنع: أي تستر بردائه. (البخاري 4419, مسلم 2980).

وطبعا غزوة تبوك شكلت مرحلة مختلفة هي أول مواجهة مع الروم و كان هناك الدور الذي بدأ يلعبه المنافقون في زعزة الكيان الجديد في المدينة كما بينته سورة التوبة… هذا يعني أن مرور الرسول (صلعم) في ديار ثمود، له دلالة آخرى تتعلق بالمرحلة المدنية … وهكذا نجد أن قصة نبي الله صالح ليست قصة وردت منعزلة فهي مرتبطة و متواشجة مع الدعوة الاسلامية في عهدها المكي الاول وفي عهدها المدني الآخر حين تحول الإسلام من دعوة إلى دولة و رسالة عالمية.

Thamoud1

Thamoud2

النبي ادريس … و الفسيفساء السوري

مع امتداد داعش في الجزيرة السورية من الموصل غرباً إلى عين العرب شرقاً، راحت تصطدم بأقوام نكاد نسمع عنهم للمرة الاولى من اليزيدين في جبال سنجار إلى الصابئة المندائيين في الشمال… ويكاد المرء يتساءل من أين أتى هذا الفسيفساء الديني في المنطقة.. يذكر أن الخليفة العباسي المأمون أثناء مروره في احدى حملاته ضد الروم استغرب لمظهر سكان مدينة حران ولباسهم الغريب فقال لهم إن كنتم من أصحاب الاديان السماوية وجبت عليكم الجزية أو تدخلوا الإسلام أونقاتلكم .. فتح كبيرهم المصحف و قال نحن “الصابئة” المذكورين في القرآن.

و العجيب أن هؤلاء الصابئة المندائيين يعتبرون نبيهم هو ادريس عليه السلام الذي بلغ مرتبة رفيعة (ورفعناه مكانا عليا) – سورة مريم – وأما كتابهم المقدس فهو الذي انزل على النبي يحي بن زكريا (يا يحي خذ الكتاب بقوة..) ويعتبر النبي ادريس من الأنبياء الحكماء حيث يقال أنه أول من خط القلم.

و حين دخل الإسكندر المقدوني سوريا حوالي 332 ق.م شكل هذا الحدث مجالا لتلاقح ثقافي بين الفكر اليوناني الفلسفي والخبرة المصرية القديمة المتراكمة مع الأديان الابراهيمية (اليهودية و المسيحية الباكرة) لتنتج فكرا توفيقيا غريباً وصل صداه إلى الهند والصين وفارس و كان مركز اشعاعه في مدينة الإسكندرية في مصر وعلامتها الفارقة مكتبة الاسكندرية التي احرقت علي يد المسيحيين و ليس على يد المسلمين كما يشاع.

هذا الفكر المزيج أكد بالدرجة الأولى على وحدانية الله مقابل التعددية اليونانية و نظر بشكل مختلف لعلاقة الالهي بالانساني حيث اعتبر أن الإنسان بروحه قادر على الوصول للمعرفة الالهية و أكد على أن الإنسان مخلوق متميز كونه يجمع عالمي الجسد والروح وأن معرفة الله تكون في التأمل في خلقه و أخذ من الفلسفة الافلاطونية أن للكون مبادىء هندسية عليا ناظمة أو مثل عليا … جُمع هذا الفكر في تعاليم سميت بالمتون الهرمسية (ويقال ان هرمس هو التسمية اليونانية للنبي ادريس)، وفي عام 1957 وجد فلاح في الصعيد المصري أثناء حفره الأرض على مخطوطات قديمة في جرة فخارية وتبين فيما بعد أن هذه المخطوطات هي المتون الهرمسية نفسها .. وسميت بمخطوطات نجع حمادي و الظاهر أن أحدهم أخفاه عن عيون الكنيسة في ذلك الزمن الغابر.

ولكن ماعلاقة كل هذا المزج الفكري الذي حدث منذ أكثر من 1700 سنة و الذي مزج بين الحكم الهرمسية و الفلسفة الافلاطونية بالفهم المصري القديم للعالم… ما علاقته بالفيسيفساء السوري … يبدو لي هو أن كل الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة نتحت من هذا الفكر بشكل أو بآخر من الاسماعليين إلى الدروز إلى الصابئة ، كذلك جانب من المعتقد الشيعي و أيضاً التصوف السني في مذهب العرفان و الإشراق .. وبرز في القبالة اليهودية و في الغنوصية المسيحية … و امتد هذا الفكر حوالي 600 عام من 300 ق.م إلى 300 ب.م و لكن حين سادت الديانة المسيحية انضوى وتحول إلى جماعات سرية في هذا الجبل أو ذاك أو في هذه البقعة النائية أو تلك.

وهذا الفكر الهرمسي ليس له فقط تأثيرات دينية بل علمية أيضا، العالم المشهور نيوتن قضى عشرين عاما من عمره ليس في صياغة قوانين الحركة و الجاذبية و تطوير حساب التفاضل و التكامل وعلم الضوء بل في دراسة المتون الهرمسية .. فهذه الأفكار كانت قد انتقلت عبر الفلاسفة المسلمين و بالأخص الجماعة السرية المساة أخوان الصفا إلى الغرب.. و بما أن هذه المتون أكدت على سببية الكون و نظامه و قدرة الإنسان على التحكم به كانت حافزا لعلماء عصر النهضة لبناء تصور علمي سببي للكون من كبلر إلى غاليليو إلى نيوتن وغيرهم، حتى أن مبدأ لكل فعل رد فعل مماثل و معاكس هو مبدأ في الفكر الهرمسي ..

أتمنى أن يتولد من جديد مزيج فكري و تلاقح ثقافي قوامه حرية الفكر والتأمل و المعرفة يعكس الحالة التي كانت عليها الحضارة العربية الأسلامية حيث شارك الصابئي ثابت بن قرة مع المسيحي السرياني حنين بن اسحاق مع غيرهم في ارساء المعرفة في “بيت الحكمة” في بغداد مع غيرهم من علماء و فلاسفة الاسلام كابن سينا و جابر بن حيان وغيرهم …

ولع العلماء،المتأثرين بهذا الفكر، كان كبيرا بعلم الأرقام حيث شغلهم ايجاد النسبة الذهبية و تطوير الرياضيات فابتدعو المتواليات الحسابية كسلسلة فيبوناتشي ومثلث باسكال .. بالنسبة لهم تجلت هذه النسب في مظاهر مختلفة في الطبيعة من القواقع إلى بذور عباد الشمس إلى المجرات … نختم بمقولة للعالم الفلكي كبلر..

Kepler Geometry

تفسير الحروف المقطعة في أوائل السور القرآنية

ثلاثة من الأنبياء على الأقل عاشوا أو قضوا جزءا من حياتهم في مصر القديمة إبراهيم و موسى و يوسف (عليهم السلام) .. وفي المرويات أن عيس بن مريم أيضا قضى طفولته في مصر  كما أن موسى تربي في قصر فرعون …إن تاريخ المنطقة (مصر، بلاد الشام، الرافدين، الحجاز و اليمن) مترابط عضويا و متفاعل حضارياً كونها مهد الرسالات. الحضارة المصرية أهدت العالم أول كتابة، و كلمة Paper الانكليزية .جاءت من Papyrus (ورق البردى) .. بلاد الشام أهدت أول أبجدية .. ليأتي الإسلام من أرض الحجاز و يتم نوره المعرفي على العالم ..

معجزة الاسلام معجزة عقلية و ليست حسية وأول ما أُنزل من القرآن هو إقرأ ..  و بفضل الأبجدية استطاع الانسان أن يسجل معارفه، فما يدوَنه الجيل الحالي يأخذه الجيل التالي ويضيف عليه في تراكم اضطرادي للمعرفة البشرية.

و يتبادر إلى الذهن ماهي دلالة الحروف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية .. حيث أنها تنطق حروفاً، و تذكرنا بحروف الأبجدية، فمثلاً (الم) ألف حرف و لام حرف و ميم حرف. هناك محاولات عديدة .. منهم من أعطى كل حرف وزن عددي محاولاً استنباط بعض المفارقات العددية، البعض الآخر ربط الأحرف بجملة محاولا استنباط رسالة سرية،  و آخرون اعتبروها  اسماء الله أو أسماء للرسول لكن هذا كله لا يستقيم فهذه الحروف تنطق أحرف وليست أسماء، وحيث أن بيان القرآن الكريم مليء بالحض على القراءة والاهتمام بتلقي العلم و الحكمة وما يتعلق بكل ذلك من أدوات من حروف الأبجدية إلى  الصحائف و الكتب و الرسائل السماوية.

Initial Letters

المطلع على اللغات القديمة في المنطقة فإن أول ما يلفت انتباهه هو حرف النون في أول سورة القلم (ن والقلم و مايسطرون)، و نون تعني الحوت و رمزها مياه البحر .. و بالفعل يوجد في ثنايا سورة القلم ذكر لصاحب الحوت (النبي يونس) ..كما أن القرآن الكريم يشير إلى نبي الله يونس في سورة الأنبياء “وَذَا النُّونِ”  وفي الأبجدية التصويرية لمصر القديمة شكل الحرف نون هو موجة.glyph-n

اذا لا بد أن تفسير هذه الحروف له علاقة برموزها التصويرية القديمة قبل أن تصبح أشكال مجردة في مراحل لاحقة  .. فالحروف| الرموز في أول السورة  تفصح عن فحواها في متن السورة، وهذه الحروف هي اشارات لعلامات كبرى في الرسالة والعقيدة ، كبدء الخلق أو الوحي أو القيامة .. كما أن الهيروغليفية كانت لزمن بعيد لغة النصوص المقدسة و لاشك أن أنبياء الله قد تكلموا هذه اللغة كونهم عاشوا زمننا في أراضيها و تكلموا و تجادلوا مع حكامها و ناسها  وتربوا في أرجائها ..

 فيما يلي الحروف المقطعة مرتبة حسب الترتيب الهجائي: ا ح ر س ص ط ع ق ك ل م ن ه ي و شكلها التصويري القديم ومدلولها الرمزي

  Alef A Letter  آ ألف… يدل الحرف على “بدء الخلق” و الإيجاد من عدم … شكل الحرف التصويري هو طائر العُقاب .. رمز الخلق من العدم. .. كل السور الثلاث عشرة التي فيها ألف في اولها يكون فيها اشارة لبدء الخلق في متن السورة أو ذكر لآدم عليه السلام أول الخلق.. الشاهد القرآني

Ra eye 2  را ..  وتلفظ را ،  ورود الرا في أول السورة يشير إلى أن السورة ستشير إلى الله خالق السماوات والأرض خالق كل شيء –  رمز الرا هو شكل تجريدي للعين الكونية السماوية و أبرز تجسيد لها هو الشمس في عين السماء وهي ليست حرف الراء بل لفظة الرا  . الشاهد القرآني

 Meem Image  م  ميم ..   كل السور السبع عشرة التي فيها ميم في أولها يكون فيها اشارة إلى النبي موسى و كتابه الذي أنزل عليه (التوراة)  و هي دلالة على الحكمة التي اجتباها الله لموسى في قصته مع الخضر و كونه عليه السلام أول من تلقى العلم االإلهي .. شكل الميم التصويري الهيروغليفي القديم هو بومة .. رمز الحكمة و التعلم .. الشاهد  القرآني

  Haa Image  ح ..حاء  و هي كناية على نور الهداية ،وتشير إلى الوحي أو التنزيل.. شكلها التصويري شعلة مصباح .رمز النور.. الشاهد القرآني .

 Lam Im  ل.. لام ، في كل السور الثلاث عشرة التي وردت فيها لام في أولها يرد الحديث عن عذاب الله وعقابه حتى أنه في سورة البقرة وردت كلمة عذاب 18 مرة وفي سورة آل عمران   16 مرة …. شكل اللام التصويري هو أسد رابض وهو رمز لأبو الهول المخيف و هي تشير للعذاب و العقاب الالهي..  الشاهد القرآني

 Ta image  ط  .. طاء تدل على  الرزق و النعمة الإلهية .. كل السور القرآنية التي فيها ط في أولها يكون فيها ذكر للرزق و النعمة الإلهية الدنيوية…  شكلها التصويري نصف دائرة ترمز لرغيف الخبز…. الشاهدالقرآني

 Noon Image ن .. نون . سورة القلم  تبدأ بنون و فيها اشارة لصاحب الحوت النبي يونس (ذان النون) …. شكلها موجة ترمز للحوت و البحر…  الشاهد القرآني

 Qaf Image  ق .. قاف  ترمز إلى القيامة و قيام الناس من مراقدها بعد موتها في يوم الحساب .. شكلها التصويري تلة .. و قديما كانت المقابر توضع في المناطق المرتفعة و على التلال لكي لايصيبها الفيضان فهي رمز لقيام الموتى.  الشاهد القرآني

  Yaa image  ي .. ياء تدل على كتابة الإعمال و تسجيلها و التأريخ .. في كل السور القرآنية التي فيها ي في أولها  يكون فيها تذكير بكتابة الآعمال و احصائها ..سورة آل عمران بالتحديد … شكلها التصويري قصبتين .. الشاهد القرآني

louts rebirth mage س .. تدل على البعث و العودة للحياة، في كل السور القرآنية التي فيها سين يكون فيها ذكر للبعث ..مقطع سين سين اسم زهرة اللوتس التي تغلق على نفسها في الليل تحت الماء و تفتح في النهار…  الشاهد القرآني

ص .. صاد اشارة للإله الواحد أمام تعدد الآلهة  .. الشاهد القرآني

ainع .. .. تدل على بسط الرزق بمقدار أو بدون حدود ..الذراع رمز للقياس والتقدير هي أيضا رمز للعاطاء الإلهي بدون حدود ومقادير.. الشاهد القرآني

Ka   كا الكف المفتوح – رمز التضرع والدعاء، نلاحظ أن شكل حرف الكاف ك يتشابه إلى حد ما مع الشكل التصوريري. الشاهد  القرآني

ha  هاءالغرفة – المكان المخصص للعبادة و الإختلاء – التقاء الالهي بالانساني
نلاحظ أن شكل الهاء العربي يتطابق مع الشكل التصوري للحرف الشاهد  القرآني

هذا  و الله تعالى أعلم